Wednesday, March 28, 2012

حياه اخرى 5


خطت سعاد اولى خطوات عملها فى ممر طويل , كئيب اللون , المبنى كله كئيب , اشبه بمن هجرته الحياه , حتى الاطلال لها دفء عن هذا المبنى ,
المكان كله اشبه شئ بإنسان مريض النفس , سقيم الروح , كأنه يتربص بمن يخطو بداخله ليبثه سمه القاتل و يسلبه جمال الروح
هكذا شعرت سعاد و هى تخطو فى الممر تجاه عنبر الاطفال أ , تستعيد كلمات الرائد فؤاد
- يا ست سعاد , خلى ليك شخصيه , انا هخلى عسكرى يكون معاكى علشان محدش يتجرأ عليكى او يضايقك
- سياده الرائد , دول اطفال , مش مسجل خطر , اطفال مهما حصل فى الكون , . عسكرى ايه و يتجرؤا ايه , بص انا هتفق مع حضرتك على اتفاق , انا هجرب و اروح لوحدى , و لو حصل بوادر اى شئ , هسيبهم و ارجع اخد عسكرى
- يا ست سعاد , انا قلقان على حضرتك . طيب بصى خلى معاك اللاسلكى مفتوح علشان على الاقل احس انك ممكن توصلى لنا بشكل اسرع
-اتفقنا
- دول مش اطفال عاديين يا ست سعاد , دول اطفال شافوا من الاهوال اللى يجردهم من كل المشاعر يعنى اخطر من المسجل خطر , دول اطفال شبه الانسان الالى , بيعمل اللى اتبرمج عليه من غير ما يعرف عواقب او يقدر عواقب اللى بيعمله
كلما اقتربت سعاد اكثر من عنبر أ , ازداد الصخب و الصراخ , كانت سعاد على وشك ان تمسك بمقبض الباب عندما سمعت صوت كالفحيح يصدر من وراء الحائط المجاور للعنبر
-انا هخليك تدفع التمن , مش هربت و اتحاميت فى البوليس ,
- لألأ , لأ و الله يا دبش , انا ماكنتش بتحامى فيهم , ارحمنى , انا .... انا هقولك اللى حصل
- ما تحاولش تضحك علي يا حيوان , انت فاكر انك كده هتفلت , انا هخلصك من روحك دى حالا بس بعد ما اخليك تندم 100 مره
- و الله يا دبش صدقنى , بص , هما عملوا الحركه دى علشان يوقعوك , يا دبش ده كمين لك كعلشان تنتقم منى و يعرفوا يثبتوا عليك كل التهم , انا كبش يا دبش , صدقنى , بص انا عرفت من مرجان انهم وزوه هو و هانى علشان يهدودنى و يعملوا هيضربونى فأهرب , و بعدين قبضوا عليا و فهموا الكل انى اتحاميت فيهم و انى حكيت عنكم اللى يخليهم يعرفوا يقبضوا عليك , اللى قر على زيكوا هو الواد مرجان مش انا
و حطونى فى اوضه لوحدى الفتره اللى فاتت علشان تفتكر انهم خرجونى ,
صدقنى يا دبش , هما عايزينك تفتكر انى قرييت عليكم علشان تنتقم و ساعتها يلاقوا حجه يلبسوك كل التهم التانيه اياها
لم تستطع سعاد ان تصمت اكثر من هذا , اصلا لم يكن صمتها سوي شلل مؤقت اصاب كل حواسها و هى تستمع لهذا الحديث , و قررت ان تصدر من الاصوات ما يردع دبش عن الانتقام من هذا الاخر الذى لم تعرف اسمه بعد ,
و فعلا , سكت الفحيح , و قامت هى بإظهار نفسها حتى يستطيع هذا الاخر الهروب من قبضه دبش , و بالفعل قام هذا الاخر بالهرب و عندها رأت فى ملامح دبش هذا ما اثار دهشتها كل الدهشه و بث فيها الرعب ايضا , فحين كانت تتوقع ان ترى ابشع ملامح لطفل او مراهق ما , لم يحدث هذا , بل رأت من الملامح الملائكيه ما اثار هذا الرعب فيها , فلم تتوقع ان يخلق الله كائن بهذا الصفاء الكائن على وجهه و يسخط بروحه كل هذا السخط ,
كانت على يقين تام طيله حياتها ان الروح تنعكس و تجبل الملامح على ما هى عليه , أما ان ترى من الروح و الملامح ما يتضاد , فكانت هذه اول مره لها , صمدت سعاد امام نظرات دبش و قابلتهم بتحدى , ثم بكل بطء متعمد حتى يعكس ثقتها بموقفها امام دبش , تحولت لتدخل العنبر , لم تحاول الالتفات لترى موقف دبش لكنها كانت تشعر انه يتابعها ببصره ايضا ليثبت لها انه لم يهتز , هذا الاهتزاز الذى انعكس على هيئه اختلاج بسيط فى يده استطاعت ان تلمحه قبل ان تدخل العنبر
*****
كان عنبر أ عنبر مرهق , لكنه لم يكن بالسئ بالنسبه لما قيل لها , هم اطفال كالذين نراهم فى اى مدرسه , يتحينون الفرصه للإنفلات من براثن الانضباط المفروض عليهم , و ان كان شكل تعبيرات الوجوه و الاجسام و الالفاظ , اكثر سوءا مما تخيلت لأطفال
فى منتصف النهار توجهت سعاد لمكتب الرعايه الاجتماعيه و طلبت ان تتعرف على ملف دبش
*****
ظلت سعاد طول الليل تسترجع ما قرأت عن دبش , من دهشتها لقصته كان شكل التقرير كصورة يقفز لذهنها دائما كأنه لا يستطيع استيعاب هذه الصورة فى شكل كلمات
" الاسم : عمرو محمد الاسيوطى
الاب : دكتور عمرو الاسيوطى , مدير مستشفى المنيا العام
الام : زينب عبد المجيد صالح , ربه منزل
تاريخ الحاله : 10- يناير - 1992
قام الطفل عمرو بتسليم نفسه لشرطه قسم وسط بمحافظه المنيا و كان عمره 7 سنوات و طلب منهم حمايته من عنف الاب الغير مبرر
تم اعادته لمنزله فى نفس اليوم , على ان الطفل عاد فى اليوم التالى و على وجهه اثار ضرب مبرح و عده كدمات فى انحاء متفرقه بجسمه
و عند مواجهه الاب , نفى ان يكون هو المتسبب فى هذه الاثار و افاد ان الطفل قد هرب منه بمجرد وصولهم للمنزل و ان هذه ليست اول مره يقوم فيها بالهرب , و انه يعالج نفسيا من حاله انفصام فى الشخصيه و قام بتقديم تقارير طبيه تدل على هذا
تم القبض على عمرو مع مجموعة من الاطفال المشردين , و رفض ان يدلى عن عنوان او اسم ولى امر له , و تم التعرف عليه لوجود بلاغ من والده عن غياب عمرو بتاريخ شهر سابق لتاريخ القبض عليه
رفض الطفل ان يعود للمنزل مره اخرى , تم احالته لوزاره الخدمه الاجتماعيه لبحث حالته
لم يتم التعرف على سبب لرفض عمرو ان يتم تسليمه لأهله , و تم ايداعه بمؤسسه رعايه الاجتماعيه لمده 3 اشهر
تم الابلاغ عن هروبه مره اخرى
تم القبض عليه اكثر من مره فى القاهره بتهم متعدده من تشرد و سرقه و اخيرا توزيع حبوب مخدره على طلاب المدارس الثانوى و ايداعه مؤسسه رعايه الاحداث وعليه عدده احكام
يرفض مقابله اهله , و لم يستدل على الاسباب"
- يا الله , هو ممكن يحصل كده فى الدنيا ؟؟ هكذا حدثت سعاد نفسها .
طيب ليه مش عايز يشوف اهله ؟؟ و التقرير برضه مافيهوش حاجه عنهم و لا هما مش اهله ؟؟ , معقول !!! فيه حد يستغنى عن ابنه كده ؟؟
******
مرت الايام بسعاد فى المؤسسه و هى تشعر بتقدم بطئ فى تقبل الاطفال فى عنبر أ لها , لكنها بدأت تشعر ببدايه استجابه , كان هذا بسبب حادث بسيط وقع داخل المكتبه عندما قررت ان تأخذ عنبر أ للمكتبه ,
حيث قام العامل الموجود بالاستخفاف بهم و بقدراتهم و بدأ فى التعامل معهم على انهم سجناء و ليسوا اطفال
عندما لم يستجيب لطلب سعاد ان يعتدل فى حديثه معهم و ان يتفهم انهم اطفال , قامت بعمل مشاجره معه و تحويله لمدير المؤسسه لتعنته و اصراره على سوء معامله الاطفال ,
كانت هذه اول مره فى حياه هؤلاء الاطفال ان يشعروا ان شخص ما يدافع عنهم , و كانت هذه هى بدايه التحول
كانت سعيده جدا بالتقدم الذى احرزته و لكنها لم تستطع ان تنسى دبش , لم تقابله مره اخرى لكن حادث اخر جعلها اكثر اصرارا على معرفه دبش
حيث سمعت طفلا فى عنبر أ يتحدث ان دبش قام بضرب الفراش الخاص بالدور عندما حاول هذا الفراش ضرب احدهم لأجباره على مساعدته فى تنظيف الدور
******
- الو ..سلام عليكم
- و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته , ازيك يا سعاد
- تمام يا على , عامل ايه ؟
- انتى اللى عامله ايه ؟ انا بطمن عليكى من الرائد فؤاد و سامع انك مبسوطه
- الحمد لله يا على , الاطفال دول مش مجرمين زى ما الناس فاكراهم , اه فيه منهم اللى شكله كده بس غصب عنهم
- منك نستفيد يا سعاد
- كنت عايزه خدمه يا على
- خير ان شاء الله , تحت امرك
- فيه ولد اسمه عمرو , عمرو محمد الاسيوطى
- كنت عايزه اعرف اكتر عن عيلته يا على , الولد ده فيه شئ غريب
- بقول لك ايه يا سعاد , تشتغلى فى الاحداث و حصل , تساعدى الاطفال و حصل , لكن لازم تعرفى حدودك علشان ما تأذيش نفسك , ما ينفعش تدورى ورا كل طفل , مش ها تخلصى و الله اعلم تقعى فى ايه , حاولى ما تورطيش نفسك فى مشاكل احنا مش قدها يا سعاد
- شكرا يا على , اسفه انى ازعجتك , سلام
انهت سعاد المكالمه و قد قررت ان افضل شئ هو ان تقوم بمساعده نفسها و مرة اخرى لمعت عيناها ببريق عزم على فكره ما

No comments:

Post a Comment